البطالة فى السودان :
مقدمة :
البطالة هي ظاهرة اقتصادية بدأ ظهورها بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة إذ لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية. طبقا لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل هو كل قادر على العمل وراغب فيه، و يبحث عنه، و يقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى. من خلال هذا التعريف يتضح أنه ليس كل من لا يعمل عاطل فالتلاميذ و المعاقين والمسنين والمتقاعدين ومن فقد الأمل في العثور على عمل و أصحاب العمل المؤقت ومن هم في غنى عن العمل لا يتم أعتبارهم عاطلين عن العمل.
معدل البطالة
هو نسبة عدد الأفراد العاطلين إلى القوه العاملة الكلية وهو معدل يصعب حسابه بدقة. وتختلف نسبة العاطلين حسب الوسط (حضري أو قروي) وحسب الجنس والسن ونوع التعليم والمستوى الدراسي. ويمكن حسابها كما يلي:
معدل البطالة = عدد العاطلين مقسوما على عدد القوة العاملة مضروباً في مائة.
معدل مشاركة القوة العاملة = قوة العمالة مقسوما على النسبة الفاعلة مضروباً في مائة.
حلول للبطالة
لا يرى الاقتصاديون من الطبقة البورجوازية حلاً لمشكلة البطالة إلا في اتجاهين أساسيين، الاتجاه الأول يرى للخروج من البطالة ضرورة:
• رفع وتيرة النمو الاقتصادي بشكل يمكن من خلق مناصب الشغل ( في ظل الرأسمالية المعولمة يمكن تحقيق النمو دون خلق فرص الشغل)، و في الدول الصناعية لا يمكن الارتفاع عن نسبة 2.5 في المئة بسبب قيود العرض ( يتم تدمير النسيج الاقتصادي للعالم الثالث لحل أزمة المركز من خلال سياسات التقويم الهيكلي و المديونية التي من نتائجها تفكيك صناعات العالم الثالث و تحويله لمستهلك لمنتجات الدول الصناعية).
• خفض تكلفة العمل أي تخفيض الأجور بشكل يخفض تكلفة الإنتاج و يرفع القدرة على المنافسة و تحقيق الأرباح .
• تغيير شروط سوق العمل يعني المطالبة بحذف الحد الأدنى للأجور، خفض تحملات التغطية الاجتماعية و الضرائب، وتقليص أو حذف التعويض عن البطالة تخفيض الأجور و سعات العمل ( المرونة في الأجور و سعات العمل ).
اتجاه ثاني يرى للخروج من أزمة البطالة ضرورة:
• ضرورة تدخل الدولة لَضبط الفوضى الاقتصادية و التوازن الاجتماعي (عبرت عنه دولة الرعية الاجتماعية في الغرب) . هذا الاتجاه أخذ يتوارى بفعل ضغط الاتجاه الأول (العولمة).
أما الحل الجذري لقضية البطالة فيتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد على قاعدة التملك الجماعي لوسائل الإنتاج و تلبية الحاجيات الأساسية لكل البشر خارج نطاق الربح الرأسمالي، أي بناء مجتمع آخر لا يكون فيه نجاح الأقلية في العيش المترف على حساب عجز الأغلبية في الوصول إلى الحد الأدنى من العيش الكريم.
• تدريب وتأهيل الباحثين عن العمل في مختلف المجالات مثل النجارة والحدادة وصيد الأسماك وغيرها من المشاريع الوطنية الهامة للمجتمع وذلك حتى يتم قبولهم في المؤسسات الخاصة أوالعامة أما بالنسبة للفتيات فيتم تدريبهن في جمعيات الخاصة بالمرأة حتى يتم تكوين الأسرة المنتجة في كل بيت خاصة في المهن النسوية مثل الخياطة والبخور والمشاريع الصغيرة التي تتسلى بها المرأة وفي نفس الوقت تنتج وتقضي وقت فراغها إلى أن تأتيها النصيب بالزواج أو العمل كمدرسة أو شرطية أو كاتبة وغيرها من المهن.
• على الدولة أن تبحث عن سوق محلي وعالمي لدعم وتسويق المشاريع التي ينتجها الشباب والأسر المنتجة لها.
• صرف مبالغ بسيطة للطفل الرضيع والشاب العاطل والزوجة من بيت مال المسلمين ومن خيرات البلاد وهي نسبة يستحقها المواطن في القانون الدولي والتشريع الإسلامي حتى يقضي الدولة على سلبيات البطالة ودفع أضعاف المبالغ في الحفاظ على الأمن والإستقرار والصحة ولحفظ مصادر الإنتاج في البلاد .
البطالة فى السودان :
كان من الصعب جدا إجراء مسح شامل لمعرفة حجم الظاهرة سابقا لكن بعد إجراء التعداد السكاني الخامس بات من السهل معرفة حجم العطالة ونسبتها في المجتمع من خلال الأسئلة المتعلقة بالوظيفة والعمر
ولكن يمكن القول بارتفاع نسبة العطالى في السودان من خلال قراءة بعض المؤشرات مثل:
ـ ازدياد أعداد الطلاب المتخرجين من الجامعات (يتخيل الإنسان تخرج ما لا يقل عن عشرة ألف خريج سنويا ولكن لا يمكن أن يتخيل وجود عشرة ألف وظيفة سنويا).
ـ كثرة التردد على المؤسسات العامة والخاصة للبحث عن عمل
ـ انتشار الظواهر السالبة المرتبطة بالعطالة كالفقر ، ضنك العيش ، تأخر سن الزواج ، انتشار بعض الجرائم كالاحتيال والغش والسرقة والدجل
ـ ويمكن الاحساس بحجم الظاهرة في الأوساط المحيطة بالشخص في الأسرة (يوجد كذا عاطل) في الحي ، في القرية ، في المدينة ، في الأهل ..الخ
العطالة قديما:
ليس بين أيدينا حقائق واضحة حول حجم العطالة في السودان في الفترة السابقة ولكن يبدو أن أثر العطالة لم يكن كبيرا على الحياة قياسا بالحاضر الذي برزت فيه الظاهرة بصورة أكبر لاعتبارات أهمها :
ـ الانتشار الواسع للسكان في السابق ، وتكدسهم في أماكن محددة في الوقت الحاضر.
ـ سهولة المعيشة وعدم تعقد الحياة فقد كان راتب الشخص الواحد يكفي جميع أفراد الأسرة وربما أفراد العائلة كلها.وقد انعكس الحال تماما فأصبح المعيشة صعبة إلى درجة أن جميع افراد الأسرة يعملون ولا يكادون يوفرون التزامات البيت.
ـ نظام الأسرة الممتدة والذي انهار حاليا وأصبح كل شخص يقول نفسي نفسي من الآن
ـ الانفصال المبكر من التعليم يغري بالعمل في سن مبكر
ـولكن هناك مؤشرات تدل على عدم انتشار هذه الظاهرة في الماضي منها:
ـ الزواج المبكر
ـ بعض الأدبيات الشعبية (فقد سألت امرأة عن عمل أحد الشباب فقيل لها إنه شغال عاطل فقالت هذا أفضل من الجلوس بغير عمل)
ـ العمل بالشهادات الدنيا كالابتدائية والمتوسطة والثانوية
أحصائيات البطالة فى السودان :
كشفت ندوة مساهمة القطاع الخاص في مكافحة العطالة ان اسباب تفشي العطالة بالسودان ترجع لتزايد اعداد الخريجين التي تسبب فيها التوسع في التعليم مع عدم وجود خطط لاستيعابهم وتطبيق السودان لسياسة التحرير الاقتصادي عند اوائل التسعينيات وما تبعها من توفيق للاوضاع لبعض المؤسسات واعادة هيكلة وخصخصة بعضها يضاف الى ذلك الهجرة من الريف الى المدن.
واكدت الندوة (التي عقدت بدار اتحاد اصحاب العمل) ان متوسط اعداد العاطلين بالسودان يبلغ 20 مليون عاطل معظمهم من الخريجين.
وقدم د. الفاتح عباس نائب الامين العام لاتحاد الغرف الصناعية استعراضا لما يقوم به القطاع الخاص من مساهمة في استيعاب العمال عبر صناعاته المختلفة معددا المشكلات التي تعترضه وقدم في ذات الوقت مقترحات للحلول والاعداد المستهدفة للاستيعاب اذا ما تم حل المشكلات وقال ان اكثر القطاعات التي تساهم في استيعاب العمالة هو قطاع الصناعات التحويلية وخاصة الصناعات الغذائية اذ تبلغ منشآته 17000 منشأة يستخدم فيها 57% من العمال بالقطاع الصناعي، كما يساهم قطاع السكر بـ 19% من العمالة.
وذكر د. الفاتح ان هذا القطاع يمكن ان يستوعب اعدادا كبيرة اذا تم رفع انتاجيته الى 60% عبر الانتقال لنظام العمل بثلاث ورديات اذ يمكن له ان يستوعب عدد 200 الف من العمالة (جامعيين، فنيين، عمال مهرة).
وقال ان صناعة الغزل والنسيج من الصناعات القديمة ولكنها انهارت بسبب عدم تجديد الماكينات القديمة ومشاكل ارتفاع تكلفة الانتاج حيث تبلغ الان طاقة مصانع الغزل 63 الف طن واشار الى انه من جملة 17 مصنعا هناك ثلاث مصانع فقط ما تزال تعمل.
اما النسيج فطاقته تصل الى 400 مليون ياردة وفيه 10.000 ماكينة منها (1000) ماكينة في القطاع العام والباقي للقطاع الخاص. وهذه الماكينات متوقفة الان واقترح د. الفاتح اعادة توطين هذه الماكينات لتعمل في الريف، واشار الى ان الاعداد المستهدفة لتعمل في هذا القطاع 248 الف من جامعيين وعمال مهرة.
وعن قطاع الزيوت قال انه من القطاعات التي تستوعب عمالة كثيرة ولكنه من القطاعات التي تهالكت بسبب المشاكل التي واجهته كباقي الصناعات الاخرى حيث تبلغ طاقته 145 مصنعا ومعصرة تعمل بطاقة 20% وانتاجها لا يزيد عن 15%.
وقال انه اذا عملت مصانع الزيوت بكامل طاقتها فانها ستقوم بحل جزء من مشاكل العطالة حيث يمكن ان تستوعب 6 الف من الجامعيين و 15 الف من الكوادر الفنية و 9 الف من عمال الانتاج الثابتين و 3 الف من العمال الموسميين حيث يقدر العدد الكلي للعمالة بـ 33 الف.
واوضح ان الصناعات الهندسية تعتبر صناعة وليدة ولكن مجال نشاطاتها واسع ومتنوع حيث تبلغ 38 نوعا اغلبها صناعات صغيرة (93%) وذلك حسب المسح الصناعي ويعمل هذا القطاع بانتاجية متدنية وهي تحتاج لرأس مال ضخم وتواجه صعوبات في التسويق واذا ما حلت مشكلات يمكن ان تستوعب 33 الف من العمال.
اما قطاع الجلود والاحذية فتبلغ طاقاته الانتاجية 200 مليون جلد بقرى و 16 مليون جلد معيز بالاضافة للدباغة الحرفية المتشرة وطاقاتها 200 الف بقرى و2 مليون ضأن وماعز سنويا والطاقة الانتاجية للاحذية والمنتجات الجلدية 17.5 مليون زوج من الاحذية الجلدية ولكن انتاجيتها الان متدنية جدا لا تزيد عن 30% وقال انه اذا تم رفع الانتاجية الى 60% يمكن استيعاب 7480 عاملاً ويتم ذلك عبر توفير الخام على مدار السنة وادخال التكنولوجيا في الوحدات الكبيرة وانتقال العمل بنظام الورديات.
واشارت الورقة الى قطاع التغليف والطباعة حيث يبلغ عدد مصانع التغليف 12 مصنعاً بطاقة تصميمية 220.000 طن ولكن المتاح منها 41.000 طن والذي يعمل فعليا يقدر انتاجه بـ 135.000 طن وتقدر نسبته بـ 7%.
اما مجال الطباعة فالبلاد بها 563 مؤسسة طباعية طاقتها التصميمية 20 مليار لبسة في العام والمتاح منها 15 مليار لبسة والتي تعمل فعليا تبلغ طاقمها 1.5 مليار بنسبة 15% والانتاجية المتوفرة تقدر بـ 7.5% واكدت الورقة انه اذا ما تم تنفيذ برامج توطين الطباعة ورفع انتاجية قطاع التغليف سيساهم ذلك في استيعاب اعداد تقدر بـ 11.153 عاملاً.
وذكرت الورقة ان هناك حاجة كبيرة لنمو قطاع النقل باعتبار التوسع في التنمية وزيادة الطاقات واشارت الورقة الى ان قطاع النقل يستوعب الان حوالي 2500 خريج ودعت الى حل مشاكل اعادة تأهيل السكة حديد والنقل النهري والجوي حتى يزيد عدد المستوعبين في هذا القطاع الى 23.300 عامل.
واكدت الورقة اهمية القطاع الزراعي والرعوي وذكرت انه يحوي 200 مليون فدان صالحة للزراعة ولكن لا يستغل منها الا 20% فقط حيث يعمل حوالي 66- 70% من المواطنين بالزراعة.
وذكرت الورقة انه اذا ما حلت مشاكل الزراعة يمكن ان تستوعب 106 الف عامل مما يساهم في ايقاف الهجرة من الريف الى المدن.
ودعت الندوة لاعداد برنامج استراتيجي لتنمية القطر وتحديد دور القطاع الخاص والتركيز على الصناعات التحويلية ونبذ عقلية الجباية التي تقود الى صرف النظر عن تنمية الموارد ودعت الى تأسيس صندوق مكافحة العطالة.
واوصت الندوة بابتكار اساليب جديدة ومرنة لتحفيز العاملين في الاقتصاد الغير رسمي كالمزارعين والرعاة بادخالهم في مظلة التأمين الاجتماعي مع اعادة النظر في السياسات الزراعية وتوطين المحاصيل.
ودعت الى خروج الدولة واجهزتها من مجالات العمل الانتاجي والتجاري واخضاع كل اجهزتها لقوانين مكافحة الاحتكار وتنظيم المنافسة وتشجيع الانتاج الوطني